afterheader desktop

afterheader desktop

after Header Mobile

after Header Mobile

الـمعبر الحدودي بين الجزائر وموريتانيا.. وفرص التكامل الـمغاربي


الداخلة نيوز: بنعبد الفتاح محمد سالم

لا أدري لم كل هذا التوجس من افتتاح المعبر الحدودي البري الجزائري الموريتاني الجديد في بعض الأوساط الرسمية وشبه الرسمية المغربية؟ الامر نفسه حول دواعي رفض افتتاح المعبر الحدودي المغربي الجزائري “زوج بغال” المغلق منذ حوالي ربع قرن من الزمن، المعبر عنها داخل الأوساط الرسمية الجزائرية؟ لماذا يرى البعض في الاوساط الرسمية في المغرب والجزائر أن كل نجاح في إحدى دولة المنطقة سيصب في غير صالح الدول الأخرى؟.

من الطبيعي أن يشتد التنافس بين بلدين يمثلان قطبا المنطقة المغاربية على بسط النفوذ في ما يعتبرانه مجالهما الحيوي خاصة في موريتانيا بحكم منطق العلاقات الدولية القائم على حجم الدول و وزن اقتصادياتها، ولكن بما يفيد تحقيق المصالح الوطنية والقومية لدول المنطقة جميعا، وتحقيق رفاهية الشعوب عن طريق تشجيع فرص الاستثمار والبحث عن الاسواق لترويج السلع المحلية عبر ترسيخ التكامل في مابين اقتصاديات المنطقة، وهو أمر مطلوب، لكن الغير مفهوم هو التخوف المبالغ فيه إزاء كل خطوة من شأنها كسر الحواجز السياسية والاقتصادية وحتى الثقافية المصطنعة في ما بين بلدان وشعوب المنطقة…

واقع مرير متسم بالقطيعة والتصعيد المتبادل فيما بين دول المنطقة، لا يزال يكبد البلدان المغاربية جميعا خسائر اقتصادية فادحة بالنظر إلى فرص التعاون المشترك المهدرة بسبب استمرار غلق الحدود بين أهم بلدين في المنطقة المغاربية، كما يتم تجميد الاتحاد المغاربي بمؤسساته الإقليمية وإجراءاته واتفاقياته المتعلقة بالتعاون المشترك بين بلدان المنطقة إلى أجل غير مسمى، ففي الوقت الذي تتكتل فيه الدول ذات التاريخ والثقافة المشتركين في مختلف مناطق العالم، وتنشأ فيه الاتحادات وتتعزز عبر إلغاء الحدود وتوحيد الجمارك وتأسيس العملات الموحدة، يستمر غلق الحدود في منطقة لا تزال تعيش على وقع التصعيد السياسي والعسكري في ما بين بلدانها، إلى جانب مجموعة من الاختلالات السياسية والاقتصادية المتشابهة التي تعرفها تلك البلدان، الأمر الذي يعرقل فرص نهضتها نموها.

فلا يمكن تصور أي نهضة مغاربية أو اتحاد بدون تفاهم البلدين الأكبر في المنطقة المغرب والجزائر، فلا المقدرات الاقتصادية الهائلة ولا الموقع الجغرافي المتميز ولا حتى المقومات المشجعة على وحدتها وعلى رأسها التاريخ والثقافة وعناصر الهوية المشتركة، والواقع الاجتماعي المتشابه، ولا حتى التحديات الاقتصادية والسياسية المشتركة تؤهل أي بلد من بلدان المنطقة للانفراد بلعب دور حقيقي على المستوى الدولي، ما يفرض التعاون في ما بينها، فبوابة إفريقيا في حقيقة الأمر ليست هي المغرب لوحده ولا الجزائر لوحدها، بوابة إفريقيا الحقيقية هي المغرب الكبير بكافة بلدانه، التي من شأن توحدها أن تخلق قوة اقتصادية وسياسية معتبرة ستلعب الأوار المحورية على الصعيد القاري والدولي، وستساهم في تحقيق التنمية والرفاه للشعوب المغاربية.

لنا ان نتخيل فقط ما سينجر عن ربط الشبكتين الطرقيتين المغربية والجزائرية الى جانب السكك الحديدية من عوائد على كافة بلدان المنطقة، ما يعني وجود طرق برية تربط نواكشوط ببنغازي مرورا بالمغرب والجزائر وتونس، بالإضافة إلى قطارات تربط مدينة آكادير بجنوب المغرب بمدينة صفاقس جنوب شرق تونس، مع ضمان حرية تنقل الأشخاص والسلع في ما بين بلدان المنطقة، حيث من المرجح ان تستفيد البلدان المغاربية من دخول ملايين السياح، وهو ما سيوفر فرص استثمار وتشغيل هائلة وسيدر ميزانيات معتبرة عليها.

أحلام وطموحات بسيطة لا تحتاج سوى لإرادة سياسية حقيقية وقرارات شجاعة، باتت تفرضها التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المحدقة ببلدان المنطقة، في ظل انتشار التهديدات الأمنية الخطيرة، وتفاقم أزمات اقتصادية واجتماعية، تتمثل أساسا في فشل السياسيات العمومية وعجزها إزاء ظواهر الفقر والهشاشة المجتمعية، وانتشار البطالة، عدى عن تراجع اقتصاديات بلدان المنطقة في مختلف المؤشرات المرتبطة بتحقيق التنمية.

وبغض النظر عن الأهداف التنموية والاقتصادية التي سيضمنها وجود حدود ومعابر مفتوحة بين بلدان المنطقة، فينبغي النظر بشكل جدي في الأهداف الإنسانية التي ينبغي السعي الى تحقيقها بغض النظر عن الفوائد المادية المباشرة على بلدان وشعوب المنطقة، كضمان حرية تنقل الأشخاص وتمكين العائلة المشتتة في ما بين الحدود من لم الشمل، وتدعيم أواصر الأخوة التي تربط شعوب المنطقة في ما بينها…، ما سيساهم بكل تأكيد في تقريب وجهات النظر الرسمية وكسر الحواجز النفسية بين الشعوب وربما حل مختلف الإشكالات العالقة.

وأمام هذا الواقع الاستثنائي والمرفوض بكل المقاييس سيمثل افتتاح المعبر الحدودي الجزائري الموريتاني خطوة بسيطة في طريق توطيد الأواصر الاجتماعية والثقافية القائمة بين شعوب المنطقة، فتسهيل تنقل الجزائريين الى من والى موريتانيا سيسهم الى جانب ترسيخ العلاقات الموريتانية الجزائرية، في ربط العلاقات أيضا في مابين الجاليتين المغربية والجزائرية في موريتانيا، ما سيكسر الحواجز النفسية والثقافية بين الشعبين المغربي والجزائري الناجمة عن عقود من الزمن من القطيعة و التصعيد السياسي والعسكري المتبادل بين المغرب والجزائر.

كما أن وجود طريق بري مفتوح بين الجزائر وموريتانيا سيكون بمثابة طريق التفافية قانونية للأشخاص والسلع في بين الجزائر والمغرب عبر معبر الكركارات، مرورا بالمعبر الحدودي الموريتاني الجزائري الجديد، فاستمرار غلق المعابر الحدودية البرية المشتركة بين المغرب والجزائر، يشجيع تهريب السلع والأشخاص بين البلدين ويضيع ميزانيات معتبرة كان من المفترض أن تذهب الى خزينة البلدين الجارين عن طريق جمركة السلع والمواد العابرة للحدود ومراقبتها، ما يتسبب في خسائر اقتصادية هائلة، تمنع تحقيق التكامل والإقلاع الاقتصاديين المطلوبين لبلدان المغرب العربي.

أما اجتماعيا فسيساهم المعبر الجديد في تخفيف أعباء وتكلفة اللقاءات العائلية ولم الشمل في ما بين الأسر التي فرق بينها النزاع الصحراوي، حيث لا يزال عشرات الآلاف من الصحراويين يعيشون على وقع الشتات واللجوء في بلدان المنطقة، ما يتسبب في تفرقة أفراد العائلة الواحدة، فتعمل العديد من الأسر الصحراوية على تنظيم اللقاءات العائلية في بلدان الجوار وفي موريتانيا على وجه الخصوص بحكم قربها من الإقليم ومن مخيمات اللاجئين بتيندوف التي تقع على مقربة من الطريق البري الجديد.

وجود معابر حدودية مفتوحة تربط البلدين الجارين الأهم في المنطقة المغرب والجزائر مع موريتانيا، في ظل واقع سياسي موبوء ومتسم بالجمود، سيؤهل الأخيرة إلى الأدوار الطلائعية في تعزيز التعاون في مابين البلدان المغاربية و في تقريب وجهات النظر في ما بينها، عبر احتضان المبادرات الرسمية والشعبية الهادفة الى كسر الجمود السياسي وتناول المواضيع الخلافية في مابين بلدان المنطقة وعلى رأسها موضوع النزاع الصحراوي، بحكم العلاقات الاجتماعية والثقافية التي تجمع الموريتانيين بالصحراويين.


شاهد أيضا