 |
محمد سالم الزاوي |
الداخلة نيوز: محمد سالم الزاوي
ليس من السهل علينا ونحن نعيش مرارة الواقع الروتيني البئيس. أن نتعايش مع روتين الكتابة التي بدت لي وأنا أرشم هذه الحروف أكثر مللا من سابق عهدي بها. فالحياة في هذه البيداء المتمدنة لم تتغير كما أردنا لها أن تكون. عدى من بعض التجميلات التي يدعوها البعض تنمية ما أنزل الله بها من سلطان.
نعيش أيامنا اليوم في الصحراء ونحن أكثر أقتناعا بأن الدولة لم تعد بحاجة لنا. أو لنقل لم نعد بأهمية سنوات "الأشبال" والفشوش الصحراوي الذي أعقب سنين الحرب، ولو أننا نعلم اليوم أنه فشوش له ما يبرره في ظل وضع مشتعل يجني فيه الإنسان الصحراوي المتواجد في الضفة المغربية من الصحراء غلة أجيج الرصاص. وهي غلة أنتجت بطونا منتفخة لا تشبع من بلع محاصيل الريع والثراء الفاحش على حساب باقي الصحراويين الذين يجترون فتات "بطائق الإنعاش" بعد كل تلك السنين.
جاء جلالة الملك الى الداخلة وذهب عنها في زيارة قيل عنها ناجحة وأقول مع غالبية صامتة بأنه قد شابها ما شابها. فحديث إستقبال الملك في مطار المدينة عكر صفو الزيارة وخلف شرخا في قلوب الصحراويين لازلت أستقي تفاصيله من شيوخ وأعيان ومنتخبين بالمنطقة. إنتابهم إحساس لم يعهدوه بالإهانة والتهميش بفعل ممارسات والي الجهة ومحيط الملك الذي لم يعرهم أي إهتمام يذكر. فهل هو التأشير البين من القصر بنهاية صلاحية الإنسان الصحراوي ؟
إن الحديث عن الصحراء حديث ذوو أوجه عديدة كأرجل الأخطبوط الذي يصارع الإنقراض بأرضنا. فقد عودتنا الدولة على تسويق خطاب داخلي أبعد ما يكون عن مفردات خطابات الخارج وحديث أروقة المفاوضات مع الطرف الاخر. فالمغرب ظل يحابي الصحراويين لأنه يعلم أن لا سيادة بلا شرعية تحمل بصمة ساكنتها. والجزائر تريد الملف عصا في عقب المغرب. وإسبانيا القوة الإستعمارية السابقة للإقليم تقايض أزماتها وأحتلالها اللامشروع لسبتة ومليلية المغربيتين بملف الصحراء. ودول الفيتو تحلب مصالحها من المعنيين بالملف عبر التلويح تارة بالمسودات والمقترحات وبسحبها تارة في الامتار الاخيرة. هكذا هي الصحراء رقعة شطرنج لدول العالم التي توجه أنامل محترفيها لهذه البقعة الملعونة عند كل "أبريل" من السنة. والمتضرر دوما هم الصحراويون أنفسهم. فلا أبناء عمومتنا ببيداء تندوف طلقوا المعاناة والبؤس ولا الصحراويون بالداخلة والعيون وجدوا مربط فرس الكرامة التي دفع ذويهم ثمنا باهضا للتمسك بها.
إنها لعنة القدر التي تجعل الإنسان رقما أخيرا فوق أرضه. وهذا ما يبدو في المشهد الاخير لزيارة جلالة الملك للداخلة. فلا يعقل أن يتقدم مشهد الإستقبال مدير ديوان وقائد مقاطعة مقرب من طاقم والي الجهة. وكأننا في مشهد أستقبال عادي لا يليق بأكثر الشخصيات أهمية لدى أهل الصحراء وأعيانها. ثم ما زاد المشهد ضبابية هو تلك المعاملة المشينة التي تلقتها الجموع في مقر ولاية الجهة. حين تم استدعائهم لساعات طويلة تحت شمس الداخلة الحارقة إنتظارا لتدشين الملك الاخير في منطقة "بوطلحة". قبل أن يعمد والي الجهة أو من دبر الفعل الى معاودة الكرة وإستدعاء نفس الطاقم ونفس الوجوه لوداع الملك.
إن كسب الصحراء ومعاركها السياسية لن يتأتى ما دام أهلها في أعقاب الركب يؤثثون المشاهد التي يتقدمها الولاة وأطقمهم الإدارية. فالشيوخ والأعيان كانوا ولازالوا هم نواة الشرعية والمبايع الأول على مغربية الصحراء. ووضعهم في ذيل المستقبلين للملك يطرح تساؤلات عديدة عن مستقبلنا كصحراويين نحلم بمغرب جديد نقود فيه زمام أمورنا بأنفسنا دون أن نقاد من طرف ولاة قادمين من شمال المملكة.
لقد كان يحذونا الأمل في أن تراجع الدولة المغربية سياستها في الصحراء. وأن تهتم بالإنسان الصحراوي أكثر من إهتمامها بالصحراء نفسها. لكنه أمل يتلاشى في كل يوم بحجة ان المغاربة متساوون جميعا كأسنان المشط. وتلك لعمري مقولة لها ما يعيبها حين نجد أنفسنا غرباء عند مدخل "تيزنيت" الشمالي. وبالداخلة التي نعيش بها نرى أحلامنا تسرق منا بإسم المساواة. فتلكم المشاريع والإمتيازات والبقع والوظائف والمناصب السامية والمتوسطة. كلها حكرا على الوافدين الجدد. وكأننا أحجار كريمة لم تخلق لغير الزينة وتأثيث المشهد السياسي في نزاع الصحراء.
إن تهجين المنطقة وتقديم الأصيل على اللصيق يولد جيلا جديدا يحمل أطنانا من الضغائن على الدولة المغربية. وهو أمر لن يكون في صالحها حقوقيا وسياسيا في المستقبل القريب. خاصة وأن المنطقة ستشهد زلزال دوليا على مقياس "بان كي مون" الذي يستعد لزيارة المنطقة. وهو أمر لا أعتقد أن الدولة المغربية ستلجأ معه لأمثال والي الداخلة وطاقمه لإظهار شرعيتها السيادية عند إستقبال الشخصية الأممية الأولى.
ختاما فكما ترفض الدولة المغربية وإعلامها وأحزابها الإعتراف بالبعد الدولي للنزاع وتسويق خطاب مخزني مجتر منذ سنوات. فكذلك لا تريد نفس الآلة إستيعاب وفهم مخرجات الحل والعقد الذي يملكه الصحراويون وحدهم. والكاسب الأوحد للمعركة سيكون الممتلك لقلوب الصحراويين، فمن يريد أرضا بلا ساكنة عليه قراءة تاريخ "الهنود الحمر" ليفهم سر النهوض الأمريكي.
فهل تتدارك الدولة جفاءها المفرط إتجاه الساكنة الصحراوية ؟ وهل يعالج القصر عثراته بالداخلة حين أقصى شيوخها وأعيانها من إستقبال الملك ؟
أشهر ما قبل "أبريل" وحدها من ستجيبنا. فلننتظر.