 |
محمد سالم الزاوي |
الداخلة نيوز: محمد سالم الزاوي
في مدينتي إذ ينشق وادي من مرج البحر يخرج منه ذهبٌ ذو قشورٍ منه مأكلنا وأياه عجلة حياتنا، وحيث بها سحراً يسلب الزائرين أموالهم الصعبة غصباً عن البخيل منهم، تجد أهلها يعصرون بطونهم بالحجارة صبراً على قساوة الحال، وتجد أغلبهم في نهاية الشهر عند طابور الإنعاشِ الهزيل . وداخلها أناسٌ منازلهم تستظل بحرارة الشمس في اليوم الشديد ، وبها شباب شواهدهم نياشيم يعلقونها في بذلات الكرامة في كل حينٍ وآن، يداورون البطالة وتداورهم دورة صوفيٍ شده الولعُ لربه المتعال، والناس أوزاعٌ بها. يحدثون أنفسهم عن تراقيع الحلول في الخيال، حتى أتاهم بالخبر اليقين من يحسبوه ولياً للأمر كما المعتاد.
وأصل القصة أن منتخبيها إجتمعوا في طاولةٍ لتدبير الأحوال، فأتصلوا بصديقٍ لهم رفيع الشأنِ والمكان، وأوصوه خيراً بالإبن أولاً ثم من بعده الأب فالعمُ فالخال، وبشرهم بمناصب تُسيل لعاب العيال، وطمأنوه أن ينقلوا كلامه للساكنة مع تحريفٍ في البيان، فخطب أحدهم عن التنمية وما فيها من خير وحسن منال، وخطب آخر عن الجهوية وتوزيع العطايا في قادم الأيامِ، وخطب كبيرهم عن الإستثمار والمستثمرين بمدحٍ لا يقال في غير أصحاب المعالي والجلال، وخطب آخر عن الأمن وقال أننا بجهة لو نويت الجرم فيها لوجدت الحرس تحيط نواياك بالأغلال ، ووسط هذا الكذب المعلن بلا حياء، قام فرد منهمْ وقال أتتنا مناصب ُ لأهل السؤال، لكننا من رعايا صانعي القرارِ، ولا حق لكم ما دام في منازلنا خادمٌ بلا وظيفةٍ أو بطاقة إنعاش أو حتى أجرٍ من الحرام.
في الداخلة منتخبين متفردين في تشخيص مصلحة الولاة ودعم الفساد وأهل الشِمال، وفي الداخلة ساسة بارعين في الإختلاسِ والسرقة دون تماس ، وبالداخلة لا يصل إلا من تَمسك بجيد النفاقِ، ولا ينال الفضل إلا كل "بحلاس" متملقٍ يحرك ذنبه أمام ذوي السلطة والمال الخناس، ولا يقترب من إمضاء الإمتياز إلا من يقبلُ يد صاحب "الأموال" والعجوز الوسواس.
بالداخلة حيث الغرباء والوجهاء ومن في جيبه حرز "أبوك صاحبي" هم الأسبقون في تنمية الموالي، فكان أن تقرب الكادحون بها بحبل السماءِ، وأستعانوا بأسباب التظاهر والإحتجاج، فقربهم الوالي من الهراوة قرابة الأم من الأبناءِ، وعاشروا "الكوميساريات" معاشرة الأزواجِ والأرحام، وتكالب الأقربون مع الغرباء، لنجد أنفسنا مكبلين بضراوة الحال وسوء المآل.
وعند الإنتخابات يبعث الله خلقا غير الخلق الذي كان ، فترى المرشح الذي بطنه تسبقه من فرط الحرام، زاهدٌ في الدنيا يمشي في الأسواق ويحييك في اليوم بألف تحيةٍ وسلام، ثم يعود مرضاك ويصل الأرحام، ويفتح جيوبه للضعفاء والمساكين وأبناء السبيل من أجل صوتك يوم الإمتحان. وإذا كتبتهُ النتائج من السعداء أطفئ هاتفه وعاد لجبروته وكذبه كما ولدته الصناديق أول حال. أما الداخلة فكثر برورها من رأس البلدية بعد سنين العقوق والحرمان، فتجملت بالأرصفة وتبليطات الشوارع وأعمدة الإنارة وما تشتهي الأعين أن تراه منذ أزمان. لأن صوت أهلها لحظة عابرة يستميلها بدعاية سابقة لأوانها معبد آمون المصان.
أما حكاية يوم الإقتراع فتلك لوحدها رواية سورية في نهايتها ضرب وسب وجرح وتجارة لن تبور في سوق الرقاب والذمم، إذ يجتمع كل فريق أمام مكاتب التصويت كلٌ بما لديه فرح ومسرور، فيتعالى صوت النخاسين وتبدأ المضاربة في أسعار أصوات الكادحين، فذلك الميزان والحمامة والسنبلة والتراكتور وغيرها من شعارات النخاسين يتقاسمون رؤوس بني العباد من أجل يوم غلته سنين من نهب أموال البلاد. وإذا ما دحر منهم جمعٌ يوم خروج المغلوب تبدأ قسمة العشيرة والقبيلة وحتى الأعراش والأفخاذ وتتعالى صيحات النسوة وسباب الصعاليك ويبرز قرن الفتنة من مخبأه ليعثر الغوغاء على غايتهم الوجودية في إثارة شرارة الإقتتال. إنه يوم حشر الناس الى مصارعهم في الداخلة إذ يدخل العباد افواجاً في مخادع إقتراعهم يبصمون سنوات من فقرهم وأكل خيراتهم مجاناً من جزاري الميزانيات "وشلاهبية" السياسة والإنتخابات.
نسأل الله السلامة لنا ولكم من يوم صعود قراصنة المال العام على خزائن جهتنا، يومها لا ينفع وعدٌ أو عهد إلا من تمسك بصوته وحرمه قطاع الأرزاق.